في رواية المثل نرى جوليادكين إنسان مزدوج الشخصية… فمن رآه من الخارج سمّاه مجنونًا وكفى.. أما دوستويفسكي فإنه يراه من الداخل، ويعيش معه تجربته النفسية، وهو لذلك لا يكاد يضحك عليه. بل على العكس، إنه يُبرز جانب المأساة في حياة إنسان يتعذب، لا عن ظلم اجتماعي فحسب، بل عن مرض نفسي قد يتصل بالظلم الاجتماعي.
فمن لم يكن قادرًَا، بحد أدنى، من تجربة شخصية، على أن يرى ما يراه دوستويفسكي في بطله من الداخل، لن يستطيع أن يعرف كل العمق النفسي في تصويره شخصية هذا البطل بالعين البصيرة والريشة البارعة.
وفي “قصة أليمة” نرى نقدًا، بل تهكمًا، لاذعًا على البيروقراطية الروسية أثناء الإصلاحات الكبرى في عهد ألكسندر الثاني. فقد وُجد في ذلك الزمان جيل من رجال جدد، رجال مثاليين يدعون إلى الإصلاحات الليبرالية. ولكن دوستويفسكي يصف لنا في هذه القصة، التمزق المضحك الذي يعتمل في نفوس أمثال هؤلاء الرجال، ويكشف عن النقص في عزيمة البيروقراطيين الذين ينتمون إلى هذا النظام الجديد.
ويتخذ دوستويفسكي من الموظف الكبير، “الجنرال مدني” برالنسكي، نموذجًا لهؤلاء. إن برالنسكي رجل طموح يتحمس لتيار النهضة الاجتماعية الذي كان يهز نفوس الناس في ذلك العصر، فهو يعد نفسه ليبراليًا، ويتكلم بفصاحة وبلاغة عن الآراء الجديدة، ويدعو إلى النزعة الإنسانية، وينادي بحسن معاملة المرؤوسين. لكن النتيجة تأتي عكس ذلك، ويتكشف أن ليبراليته لم تكن إلا نزوة عابرة.
مراجعات
لا توجد توصيات بعد.